السبت، ٢ شعبان ١٤٢٧ هـ

عن الإرشاد الروحي

استضاف برنامج على إحدى الفضائيات أحدا من يلقبون بكبار العلماء في بلد خليجي، وكان الشيخ يجيب على تساؤلات المتصلين واستفتاءاتهم. لا أشاهد عادة هذا النوع من البرامج، لكن شيئا ما أنساني أن أغير القناة. بينما أنا كذلك، اتصل رجل وقال للشيخ أنه يحبه في الله، فرد عليه ردا مناسبا، ثم أخذ الرجل يطرح تساؤله - الذي يبدو أنه قد أقلق راحته وسلب النوم من عينيه -: أنا رجل متزوج، وقد رزقني الله بستة أطفال، لكن ثلاثة منهم قد توفوا نتيجة لمرض وراثي. والآن أنا محتار، هل أواصل محاولة إنجاب المزيد من الأطفال، أم أكتفي بما رزقني الله؟ رق قلبي لمصاب الرجل، خصوصا أني أعرف امرأة تعاني الحرمان من الولد نتيجة لمشكلة وراثية. توقعت من الشيخ أن يصبر الرجل، ثم يوجهه بأن يراجع المختصين بأمر كهذا - أي الأطباء - لكي يسدوا له النصح والمشورة المناسبة في هذا الشأن، ويدعو له بالموفقية والهداية. شيخنا الجليل لم يفكر للحظة واحدة، بل رد على الفور: «واصل محاولة الإنجاب وما عليك، وكل شيء بمشيئة الله». حوقلت. اللهم لا اعتراض، ونعم بالله، ولكن...

لست مختصا في الدين، ولا أريد الخوض في مسائل الفتوى وما شابهها؛ لكن بعض ما أقرؤه وأسمعه يدفعني دفعا إلى طرح الأسئلة: ما فائدة كل ما راكمته الإنسانية من العلوم والمعارف إذا كان أحد الشيوخ قادرا على إلغاء كل هذا بكلمة واحدة ودون أن يقدم أي سبب واضح؟ أعلم أن لدينا من الشواهد والأدلة ما يحضنا على الزيادة في النسل، لكن قبل هذا وبعده هناك الكثير من الأوامر الإلهية التي تدعونا إلى التأمل وإعمال العقل، وحساب المصالح والمفاسد قبل إطلاق أي حكم. ماذا لو أخذ الرجل بنصيحة الشيخ وواصل محاولة الإنجاب، ورُزِق بعشرة أطفال، ثم توفوا جميعا نتيجة لذلك المرض الوراثي؟ سيقول الشيخ للرجل إن هذا قضاء الله وقدره. آمنا بالله. لكنه تبارك وتعالى قال أيضا: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).

لا أدري إن كان شيخنا الجليل على علم أم لا، لكن الطب في أيامنا هذه قد تطور إلى درجة كبيرة جدا. يستطيع أخونا المتصل أن يذهب الطبيب المختص، وسيقوم الأخير بإجراء الفحوصات اللازمة له ولزوجته، وبعد دراسة نتائج هذه الفحوصات يستطيع إخباره باحتمالات نجاة أطفاله من عدمها - بعد مشيئة الله طبعا -. إن كان لا يعلم عن هذا، فقد جنى على الرجل إذ أفتى له فيما ليس له به علم؛ أما إن كان يعلم وتجاهل الأمر لأنه لا يستطيع أن يرد على سائل بأنه لا يعرف وأن عليه مراجعة أهل الاختصاص، فتلك جناية أعظم. هل يعاني مشايخنا الأجلاء، مع كامل احترامي لهم، من مشكلة تمنعهم من التصريح بقصور معرفتهم في مجال ما وبالتالي إحالة السائلين إلى غيرهم؟ ربما كان الرجل المذكور أعلاه جاهلا ولم يعرف لمن يوجه سؤاله، لكن ألم يكن حريا بالشيخ الذي ينتسب إلى من يسمون بأهل العلم أن يرشد الرجل إلى المكان الصحيح ليجد الجواب الشافي؟

سمعنا عن التحذير من التجرؤ على الإفتاء، وسمعنا عن توجهات لتقنيين الفتاوى، لكن ما أراه أمامي هو أن سيل الفتاوى لا يزال جاريا رغما عن كل شيء. لست ضد برامج الإفتاء على التلفزيون رغم كثرتها، فربما كان بعض الناس عاجزين عن إيجاد الإرشاد الروحي من غير هذا الطريق، لكن جلسة واحدة قصيرة أمام أي من هذه البرامج كافية لإثارة الكثير من التساؤلات والأعصاب. فبعض الأسئلة التي يطرحها المتصلون فيها تفصيلات وبحاجة إلى تأن ودراسة، لكنني أفاجأ بالمفتي يرمي بجواب مبتسر وسطحي. كذلك، لا يراعي كثير من مفتي الفضائيات الفروق بين المجتمعات الإسلامية المختلفة، هذا غير ما يتعلق بالجاليات المسلمة في أنحاء العالم المختلفة. ما سبق ليس إلا غيضا من فيض، لكنني أشعر أنني قد أطلت الحديث، ولربما عدت إلى هذا الموضوع في وقت آخر وفي غير موضع. هدانا الله وإياكم، وهو من وراء القصد.

هناك ١٠ تعليقات:

  1. غير معرف٤/٨/٢٧ ١٤:٣٦

    العزيز أحمد

    اعجبني اللفظ الذي اطلقته على ما يحصل، وهو الإرشاد الروحي. فالفتوى أمر لم أفهم المبدأ فيه أبدا، أن يولي إنسان عاقل أمره ومصيره إنسان آخر

    بل قد تطور الأمر إلى اقتناع بعض الناس أنك حين تسأل شيخا أو مفتيا فإن ذلك سوف يقيك شر النار، بغض النظر عن الفتوى التي يقدمها إليك، حتى لو كانت تحدث من الضرر على النفس والآخرين مثل ما هو حاصل في القصة التي رويتها

    بل أصبحوا يحملون لها مسمى، وهو حط بينك وبين النار مطوع، حيث أن كلمة هذا المفتي ستكون هي الحامي من عقاب رب العالمين والعياذ بالله

    هنالك فرق عزيزي أحمد بين تقديم المعلومة واعطاء الأوامر. فالفتوى كما أراها، هي تقديم الإرشاد والنصح من رجل أو إمرأة اطلع على الدراسات الإسلامية، بحيث اصبح لديه من المعرفة، ما يقدم للشخص السائل المعلومات التي قد تسهل عليه الأمر الذي يسأل عنه

    لكنها تحولت إلى سلطة وقدرة على الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، بل حتى التكفير أيضا، الذي هو بيد رب العالمين فقط

    هناك الكثير من ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع، واشكرك أن تناولت شيئا منه، وعذرا على اطالتي في التعليق، لكن الفائدة والمشاركة هي القصد

    ردحذف
  2. غير معرف٥/٨/٢٧ ٢٠:٤٦

    عزيزي ماجك، نحن نعاني من كثرة المقدسات: فكلام الشيوخ مقدس، والعادات الاجتماعية مقدسة، وقرارات الحكومة مقدسة... والقائمة تطول. كثرة المقدسات تعطل التفكير.

    ردحذف
  3. الأخ أحمـد
    تصحيح مهم
    الله عز وجل يقول (( ولاتلقوا بإيديكم إلى التهلكـة ))
    أمر آخر اتفق معك بأن هنـاك تسرع بالفتوى وهنـاك سيل جارف من الفتاوى بسبب الفضائيـات وبرامج الهواء
    أنـا لا أعرف الشيخ ، ولكن هنـاك جانب من الصواب في رأيه
    هنـاك من حملت بوليد واتفقوا الأطباء بأن الجنين سيكون مشوهـاً وليس معاقاً بل مشوهـا ونصحوهم بإجهاضه ، وبدأ الصراع بين العقل والشرع ، الذي يقول بأن هذه نفس ولايوجد قتلهـا ومهمـا كان من رأي للأطباء فهي ليست بينـة
    وبالنهـاية انجبت طفلاً سليمـاً
    وآمر آخر لماذا لاتنسى بأن هنـاك ثلاثة أطفال آخريـن قد عاشوا ، ولماذا تثق بأن رأي الأطباء سيكون صائباً مئة بالمئة
    عمومـا تظل الأمور عبارة عن اجتهادات ، ونحن بحاجة حقيقة إلى الفتوى الجمـاعية وإلى المجامع الفقهية المستقلة، والفتوى التي قد يقتنع عقلك بهـا ستجد آخريـن معارضين لهـا

    ردحذف
  4. غير معرف٥/٨/٢٧ ٢٣:٤٢

    شكرا على التنبيه. تم تصحيح الخطأ.

    لم أقل أن رأي الأطباء صحيح مئة بالمئة، لكن حينما تتعلق المسألة بشأن صحة الإنسان أعتقد أن الأطباء هم أقدر على إبداء الرأي السليم من الشيوخ. وفي النهاية، الخيار يعود للرجل، فحتى لو أشار عليه الأطباء بتجنب الإنجاب فهم لا يستطيعون أن يمنعوه من فعل ذلك وله مطلق الحرية في اتخاذ القرار. على الجانب الآخر، فإن الرجل حينما يستشير الشيخ في هذا الأمر فإنه سيسمع فتوى، وليس رأيا طبيا، وفي ظني أن الفتوى ستكون ملزمة لهذا الرجل لأنه قد يعتقد بأنه سيكون آثما إن لم يطبقها. بالإضافة إلى أمر آخر: لو ولد هؤلاء الأطفال مرضى فإن الأطباء هم من سيكونون في موقع المسؤولية حتى لو كانوا قد أشاروا بعدم الإنجاب، وليس الشيخ الذي أفتى.

    أتفق معك أن الأمور عبارة عن اجتهادات، لكن حين يتعلق الأمر بحياة إنسان قد تكون بعض هذه الاجتهادات خطيرة ومميتة، ولذلك فالأمر يستحق مزيدا من التأني والتأمل والتفكير قبل النطق والتصريح.

    ردحذف
  5. غير معرف٩/٨/٢٧ ٢٢:٤٢

    العلماء بشر يصيبون ويخطؤن لماذا هذا الاانتقاد الشديد لهم...فكل يؤخذ منه ويرد الا محمد عليه الصلاة والسلام لست ملزما بالاقتناع بكل مايقولة في امور الاجتهاد طبعا ولا غنا لنا عن علماء الدين كما انه لاغنا لنا عن الاطباء والمعلمين والله سحانه يقول(فسألوا اهل الذكر)...

    ردحذف
  6. غير معرف٩/٨/٢٧ ٢٣:٢٧

    ما داموا بشرا يصيبون ويخطئون فلا داعِ إذا للحساسية المفرطة تجاه انتقادهم.

    ردحذف
  7. غير معرف١٠/٨/٢٧ ٠٨:١٠

    غريب لم تصر دوما على انتقاد المشايخ و المسلمين بشكل عام ولا تتطرق في الوقت نفسه للاشارة حتا الى الملالي والسادة

    ردحذف
  8. غير معرف١١/٨/٢٧ ٠٦:١١

    ليست الحساسية المفرطة بل الانتقاد اللاذع

    ردحذف
  9. غير معرف٨/٣/٢٩ ١٧:٠٥

    إِكتُب بِالعَربِي مُستَعملاً الحُرُوف الإِنكلِيزِيَّة و فَتِّش عَلَى الوَيب.

    إِذهَب إِلَى www.eiktub.com حَتَّى تُحَمِّل أَفضَل بَرنَامج لِكتَابَة العَربِي بِأحرُف إِنكلِيزِيَّة مَجَّاناً.
    إِذهَب إِلَى search.eiktub.com حَتَّى تَستعمِل Google بِالعَربِي بِأحرُف إِنكلِيزِيَّة.

    ردحذف
  10. غير معرف٤/٥/٢٩ ١٧:١٧

    الارشاد الروحي النفسي و الديني

    ردحذف