الاثنين، ٢٠ رجب ١٤٢٧ هـ

ثلاثة كتب

ما كان من المفترض أن يكون «صيف القراءة» لم يكن كذلك إلى حد كبير. كنت أريد أن أقرأ المزيد من الكتب خلال الشهرين الماضيين، لكن بين كأس العالم، ثم الحرب على لبنان، كان من الصعب إيجاد المزاج أو الوقت اللازم للقراءة. حتى الآن قرأت ثلاثة كتب، وأنا على وشك إنهاء الكتاب الرابع خلال هذا الأسبوع. ما يلي ليس تقييما موضوعيا لهذه الكتب بقدر ما هي خواطر وانطباعات، والمساحة مفتوحة للجميع ليدلوا بدلوهم حول هذه الكتب إذا ما كانوا قرأوها، أو ليسدوا النصح بشأن كتب مشابهة.

فسوق لـ عبده خال
هذه الرواية تحكي قصة التحقيق في مصير فتاة رميت بالخطيئة في سن مبكرة، ثم ماتت في ظروف غامضة. القصة تبدأ بعد وفاة الفتاة، وذلك حين وجد أهلها قبرها منبوشا ولم يجدوا جثتها في مكانها. قد لا تكون أحداث الرواية على قدر كبير من التشويق، لكن الفضول لمعرفة مصير الفتاة دفعني إلى مواصلة القراءة حتى النهاية. لا أريد أن أفسد عليكم متعة القراءة، لكن دعوني أقول: إن خاتمة هذه الرواية مخيفة. على صعيد متصل، فإن هذه الرواية أيضا لم تسلم من هجوم المحافظين الذين اتهموا الكاتب بتعمد انتقاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا الانتقاد جاء على لسان أحد الشخصيات الذي وصف الهيئة بأنها «دولة داخل دولة، وإن لم تقلص صلاحياتها، فسنجد نفسنا في حرب بين دولتين، نكون نحن ضحاياها». مقطعي المفضل من الرواية جاء على لسان نفس الشخصية، ولكن في موضع آخر، حين قال: «عندما تخاف من قول رأيك، فأنت لا تستحق أن تعيش... حين خلقنا الله خلقنا أحرارا... حرية مطلقة. وعلى الجميع أن يحافظ على هذه الهبة من دون نقصان». أعجبني أيضا قوله: «فقد الحرية يفقدنا المساواة. والمساواة تفقدنا العدالة. وضياع العدالة يجعل الظلم شخصا مجسدا».

صحوة إيران لـ شيرين عبادي
حين فازت شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام عام 2003 لم أعرف عنها الكثير، سوى أنها محامية وناشطة في مجال حقوق الإنسان. وقعت على هذا الكتاب ـ بالنسخة الإنجليزية ـ صدفة في زيارة لفرع مكتبة جرير في مركز الراشد بالخبر، وترددت في اقتنائه لإني لم أقرأ عنه شيئا من قبل، لكنني في ثوان حزمت أمري وأخذته. لا أستطيع وصف الكتاب بالسيرة الذاتية، وهو أقرب ما يكون إلى مذكرات شخصية تدون فيها عبادي مراحل مختلفة من حياتها وتبدي فيها آرائها حول المتغيرات التي أثرت في تلك المراحل سياسيا وثقافيا واجتماعيا. كشخص لم يعش أحداثا غيرت المنطقة مثل الثورة الإيرانية ثم الحرب العراقية الإيرانية فإن هذا الكتاب قد فتح عيني على العديد من الأمور التي لم أدركها من قبل. الكتاب يحفل بالحوادث المؤثرة بداية من صدمة عبادي حين وجدت اسمها على قائمة الاغتيالات حين كانت تحقق في إحدى الجرائم السياسية، ثم حكاية إعدام شقيق زوجها الذي سجن حين كان في السابعة عشر بتهمة بيع صحف معارضة ليحكم عليه ظلما بعشرين عاما في السجن لكنه لم يكمل ذلك الحكم لأنه أعدم بعد سبع سنوات قضاها داخل الزنازين، وانتهاء بالاستقبال التاريخي الذي حظيت به المؤلفة حين عودتها بعد فوزها بالجائزة العالمية. شيرين عبادي، المعارضة التي فضلت البقاء في بلادها حين قرر معظم أصدقائها الهجرة، لا توفر النظام الحاكم من الانتقادات الشديدة، ولهذا فإنها لم تملك خيارابشأن نشره الكتاب في إيران. لكنها فوجئت حين علمت أن قرار المقاطعة الأميركية لإيران كان يمنع الناشرين الأميركيين من نشر كتاب لمؤلف إيراني، فما كان منها ـ وبمساعدة ناشرها ـ إلا أن رفعت قضية على الحكومة الأميركية بناء على المادة الأولى من الدستور الأميركي التي تكفل حرية التعبير، واستطاعت ربح هذه القضية. تقول عبادي في الفصل الأخير لكتابها: «خلال الاثنين وثلاثين عاما الماضية، من اليوم الذي جردت فيه من منصبي كقاضية حتى السنوات التي خضت فيها المعارك في محاكم طهران الثورية، كررت قولا واحدا: تفسير للإسلام يتناغم مع المساواة والديموقراطية هو تعبير صادق عن الإيمان. ليس الدين هو ما يحجم النساء، إنها انتقائية هؤلاء الذي يريدون حبسهن في صوامعهم. تلك القناعة، مع اقتناعي بأن التغيير في إيران يجب أن يأتي سلميا ومن الداخل، كانت الأساس الذي بنيت عليه جهودي».

حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية لـ عبد الله الغذامي
المؤلف هو أحد أهم النقاد الأدبيين والمفكرين في المملكة، وكتابه هذا هو شهادة شخصية على الأطوار التي انتابت دخول مفهوم «الحداثة» إلى المشهد الثقافي السعودي الذي يخرج من رحم مجتمع محافظ جدا، إلى درجة أن هذه المحافظة ليست صفة ذاتية فحسب بل هي أيضا مطلب من الآخرين. كنت أتوقع أن تكون قراءة هذا الكتاب مملة، لكنها لم تكن كذلك. قد لا يكون هذا الكتاب ممتعا، لكنه قراءته كانت خفيفة وسهلة حتى على شخص مثلي ممن يعش كثيرا من الفترات الزمنية التي يتحدث عنها الكاتب. بداية الكتاب كانت مشوقة، لكن ذلك التشويق أخذ يزول مع تقدم الفصول، خصوصا حين أخذ الكاتب منحى شخصيا أكثر من اللازم من وجهة نظري. أحد الأجزاء التي أعجبتني في الكتاب هو الجزء الذي يكتب فيه الغذامي عن الطفرة وآثارها على المجتمع السعودي. يقول: «لو أننا عمدنا إلى إسناد مهمة إنجاز التطوير إلى أيد عاملة منا لكنا حققنا التنمية وتجنبنا الطفرة، وصارت العمالة السعودية هي الرديف الموازي للعقل السعودي المخطط، ولنمت قيم العمل متصاحبة مع قيم التغيير والتحديث. ولكن انفصاما حدث حينما تركنا العمل اليدوي والمهني الإنجازي لأيد مستجلبة من الخارج، وتحولنا نحن إلى سادة نأمر ونجبي، ولكنها سيادة من ورق وليست سيادة من عرق الجبين، أي أنها ليست سيادة على الذات والظرف، وهذا جعلها سيادة مؤقتة بل سيادة وهمية شكلية».

هناك ٧ تعليقات:

  1. The first book sounds interesting. Where did you get it from? I'm asking because from what you've written it doesn't sound like the type of book that would be sold here.

    ردحذف
  2. غير معرف٢٠/٧/٢٧ ٢٣:٠٧

    الكتاب متوفر في الرياض، ويمكنك أن تجديه إما في مكتبة جرير أو المكتبة التراثية على الطريق الدائري الشرقي.

    ردحذف
  3. Thanks Ahmed, I'll try to get a copy tonight inshAllah.

    ردحذف
  4. غير معرف٢٢/٧/٢٧ ١٨:٥٨

    الله أكبر
    أخيراً مواضيع جديدة
    بصراحة شوقتني لقراءة كتاب فسوق عبده خال مبدع برغم نقد الجميع له
    في أمان الله

    ردحذف
  5. شكرا احمد. استفدت كثيرا مما كتبت، وبنفس الوقت غبطتك على انك تجد ما يكفي من الوقت لقراءة الكتب بينما انا بالكاد اقرأ عناوين الصحف نظرا لكثرة الانشغالات والالتزامات. بالمناسبة نشرت استعراضا لكتاب شيرين عبادي في مدونتي قبل اكثر من شهرين وربما ثلاثة ويبدو انه فاتك الاطلاع عليه. عبادي امرأة شجاعة وصلبة واعتقد ان العرب يفتقرون لرجال في مثل عزيمتها واقدامها. لو وجد مثل هذه المرأة عندنا لتغيرت امور كثيرة.
    تحياتي

    ردحذف
  6. اشكرك اخوي على المواضيع الحلوة وبالتوفيق وحياك في بلوجي
    http://lion-91.blogspot.com/

    ردحذف
  7. اشكرك اخوي على المواضيع الحلوة وبالتوفيق وحياك في بلوجي
    http://lion-91.blogspot.com/

    ردحذف