الثلاثاء، ١ شوال ١٤٣٢ هـ

ما العمل؟

أفتقدكِ كثيرا. وأحاول اختلاق الأعذار كي لا أفعل ذلك، وأفشل. وأحاول تنميق الكلمات كي لا أُظهِر ذلك، وأفشل. أفتقد صفاء عينيك، وابتسامتك الجميلة، والطريقة التي تعدلين بها حجابك كلما مال. أفتقد الشعور بالأمان في الغربة، ولحظات الصمت، وكلاما لم نقله. أفتقد صباحات ناعمة كنا نبدؤها ببطء ونتلذذ بإفطاراتها، ومساءات لم تكن تنتهي حين نغلق الأبواب المتجاورة. أفتقدك كثيرا، ولا أدري ما العمل.


كل عام وأنت بخير، كل عام وأنت كما تحبين.

الخميس، ٢٧ شعبان ١٤٣٢ هـ

أمنية حمقاء


مضى عامان منذ أن رأته آخر مرة. لم يخطط أي منهما لهذا اللقاء، لكنه توقع أن تكون موجودة في تلك المناسبة المهمة. لمحها من بعيد عندما دخل القاعة الواسعة التي زينت جدرانها لوحات تاريخية. كانت هي تتحدث مع أحدهم. هو لم يكن ينوي التوجه مباشرة للحديث معها على أي حال، لأنه لا يعلم كيف ستكون ردة فعلها. مر من وراءها واتجه إلى أحد المقاعد الخلفية. أخذ يتلهى بهاتفه فيما كان يسترق النظر إليها بين لحظة وأخرى. لم يبد أنها انتبهت لوجوده. قال لنفسه: «ربما كان هذا أفضل».

بعد عشرين دقيقة تقريبا لمحته واقفا في مكانه. تظاهر بأنه لم يلاحظ لمحتها. توجهت نحوه. دفن رأسه في هاتفه، لكنه كان يستطيع رؤية أقدامها تخطو إلى حيث كان يقف. لم يرفع رأسه إلا عندما وصلت إليه. نظر في عينيها وابتسامة مترددة بدأت في الارتسام على ملامحه. كانت هي ترتدي زيا أسود اللون غطى جسدها النحيل الأبيض من عنقها حتى ركبتيها، وكان الزي يحتوي جيوبا على جانبيه. ذكره ذلك بزي آخر ارتدته ذات يوم، وكيف ضحكا كالأطفال على جيوبه الجانبية، لكنه لم يقل شيئا.

سألته عن حاله، ثم قالت له: Give me a hug. تعانقا لبضعة ثوان. همست في أذنه أنها سعيدة لرؤيته مرة أخرى، ورد عليها بالمثل. كان ينتظر أن تطري بذلته لأنها كان دوما تفعل ذلك. كانت أول امرأة جعلته يظن أنه قد لا يكون قبيحا إلى ذلك الحد، أنه أحيانا يستطيع أن يكون وسيما. لكنها لم تقل شيئا. قال لها: «نظارة جديدة!» أومأت برأسها وهي مبتسمة. كانت نظارتها الجديدة ذات إطار بلاستيكي أسود واسع. النظارة أضفت nerdy look على وجهها الجميل الهادىء. تذكر كيف كانت دوما ترتدي عدسات لاصقة حين تخرج من المنزل. هل اقتنعت بكلامه السابق من أنها تبدو ظريفة بالنظارة؟ لم يسألها.

تحدثا عن أي أمور أخرى سيصعب على أي منهما تذكرها لاحقا من فرط عدم أهميتها. في منتصف الحديث اعتذرت عن القطيعة القسرية، فقال لها: «لا عليك». لم يدم حديثهما طويلا. بدا أن ما لا يمكن أن يقال أكثر بكثير مما يمكن أن يقال رغم مضي عامين أو أكثر. عادت هي إلى مقعدها، فيما أخذ هو يفكر بما يريد قوله لها بعد نهاية المناسبة. لا يعلم بالضبط ما الذي أراد قوله، لكنه كان يأمل أن تخرج الكلمات الصحيحة من فمه حين يحين الوقت. غادرت هي القاعة على عجل مع انتهاء المناسبة ولم يرها مرة أخرى. أخبرته أنها ستنتقل إلى الجنوب، لكنه سمع مؤخرا أنها لا تزال في العاصمة.

يتمنى أحيانا لو رآها صدفة في أحد الشوارع، لكنه يدرك سريعا أنها أمنية حمقاء، وأن الأماني ما عادت تسعفه هذه الأيام.

الأحد، ١٢ جمادى الآخرة ١٤٣٢ هـ

قوالب

أنا لا أريد ان أثير إعجابك حين أتحدث معك. أنا لا أريد إثارة إعجاب أي أحد أتحدث معه. واهتمامك بأمري يشعرني بالإطراء، لكنه أيضاً يشعرني بعدم الراحة. هذا ليس تواضعا. أنا لست متواضعا على الاطلاق. كل ما في الأمر هو أني أعلم أني حتى الان لم أفعل أي شيء يستحق الذكر. وأشعر أني اتحدث كثيرا. أنا آسف جدا. كنت أجيب على أسئلتك فحسب. أرجو أن لا تسيئي فهمي. أسئلتك لا تزعجني، لكنني أواجه صعوبة في إجابتها على نحو لا يجعل مني ضحية أو بطلا. فأنا لست أيا مما سبق. أنا مجرد فتى لا يشعر بالراحة في القوالب التي يصنعها له الآخرون.

الأربعاء، ٢٩ صفر ١٤٣٢ هـ

فاست فورورد

- هل اتصلتِ لتقولين «وداعا»؟
- نعم...
- لا أصدق أننا نودع بعضنا على الهاتف
- أنت تعلم ظروفي...
- أعلم، لكنه أمر مؤلم.

* * *

كان كل ما أراده هو أن يراها مرة أخيرة، لينظر في عينيها الجميلتين، ويطبع قبلة على جبينها، ثم يقول «وداعا». هذا لم يحصل، ولم يكن هنالك شيء يمكنه القيام به لتغيير ذلك. شعر أنه على وشك البكاء، فأخذ نفسا عميقا، ثم بدأ يبحث عن أي شيء يمكن أن يقال. بدت اللغة فقيرة جدا أمام عينيه اللتين اغرورقتا بالدموع. «أريد أن أعتذر عن كل شيء، أريد أن أعتذر عن كل الضرر الذي سببته لك، وكل المشاكل التي أقحمتك فيها.» طلَبَت منه أن لا يعتذر، لكنه أكمل كلامه: «أعتذر عن كل الحماقات التي تفوهت بها، وكل الحماقات التي اقترفتها. أنا آسف جدا.»

قالت له أن ما حصل كان خطأها، لكنه قاطعها قبل أن تكمل جملتها. لم يكن ليرضى أن تنوء هي بحمل ذنبهما وحيدة وهو يعتقد أنه يتحمل مسؤولية ذلك بقدر ما تتحملها هي. سكت قليلا وتذكر تلك الأفكار التي كانت تراوده حول الذنب والشغف، وكيف يتناوبان أحيانا ليتحكما في مشاعرنا ويقودان تصرفاتنا. أخذ يتذكر قصصا كثيرة كان ستروى يوما ما، لكن هذا اليوم لم يأت أبدا...

«أريد أيضا أن أشكركِ على كل شيء، أريد أن أشكرك على كل الأشياء التي منحتني إياها، ولأنك كنت إلى جانبي حين احتجت إليك. سأبقى على الدوام ممتنا ومدينا لك، وسأبقى أتذكر إلى الأبد كل الأوقات الطيبة التي قضيناها معا، وكل اللحظات الحلوة التي تشاركناها... أتذكرين الحفلة الراقصة وذلك الفستان الجميل الذي ارتديته تلك الليلة؟ أتذكرين كيف ضحكنا كثيرا لأن الرداء كان يحوي جيوبا على جانبيه؟ جيوب! هاهاها... أوقات طيبة.»

* * *

- هل لا زال سواري المطاطي الأبيض معكِ؟
- آه، نعم!
- حسنا، احتفظي به، ربما أستعيده منك إن التقينا يوما ما
- لا بأس... لكنني سأشتاق إليك
- سأشتاق إليك أكثر
- هذه ليست مسابقة!
- بلى، لكنني أعلم أني سأشتاق إليك أكثر
- اعتن بنفسك يا (...)
- اعتني بنفسك يا (...). وداعا.

الجمعة، ١٧ صفر ١٤٣٢ هـ

المُهم

أرادت أن تراه قبل أن تسافر. كان مشغولا، لكنه لم يكن يدع شيئا يشغله عنها أبدا. «حسنا، سأزورك قبل أن تذهبي إلى المطار». جاءها وعلامات التعب بادية عليه. سألته إن كان على ما يرام، فقال إنه بخير لكنه لم ينم جيدا ليلة البارحة. طلبت منه أن يجلس على الأريكة الطويلة ذات اللون الزيتي القديم، فيما ذهبت هي إلى المطبخ وأحضرت كأسين من الماء. جلست إلى جواره، تنظر إلى عينيه. ابتسم. رفع ذراعه فوضعت رأسها على صدره دون أن تقول شيئا. اعتذر لها عن ذقنه غير المشذبة، فقالت: «لا يهم، المهم أنك هنا الآن». مغمضة العينين، أخذت تستمع إلى نبضات قلبه السريعة في صمت. كانت قد سألته من قبل لم ينبض قلبه بهذه السرعة. «لا أعلم حقا. لا أشعر بالأمان مثلما أشعر به بين ذراعيك، لكن يبدو أن لقلبي قلبا آخر لا أفهمه…».