الثلاثاء، ٢٣ مايو ٢٠٠٦

الصيف قرّب...

لم يمض وقت طويل بعدما تركته حتى أدرك أن ما كان بينهما لم يكن أكثر من علاقة صيف عابرة. لذلك لم يبتئس كثيرا. علاقات الصيف تشبهه إلى حد قريب، فهي تدخل إلى القلب دون أن ندرك ذلك، وهي ساخنة ملأى بالشغف والجنون، لكنها لا تدوم. كان يدرك أن تلك العلاقة ستنتهي، مع أنه كان يمني نفسه أن لا تنتهي بتلك السرعة الصيفية الخاطفة. انتهت علاقتهما، لكن، لسبب أو لآخر، لم ينقطع التواصل بينهما. استمرار ذلك التواصل كان أمرا طيبا، بالنسبة له على الأقل، فهو رجل قليل الأصدقاء، وتواجدها حين كان يحتاج إلى من يستمع إليه جعله أكثر استقرار، حتى وهو يمضي تاركا كل شيء وراء ظهره، محاولا التخلص من المرارة التي تبقت على لسانه.

على أن ذلك التواصل الذي لم ينقطع كان شحيحا؛ فهو بالكاد كان يجد وقتا ليغير أي شيء في حياته التي باتت رتيبة وخالية من الترقب، فيما بدا أنها كان تحاول أن تسحب نفسها بعيدا حتى وإن تظاهرت بأنها لا تقصد تجاهله مطلقا. أشهر مضت، وكان يحاول اقناع نفسه بأنه لم يعد يكترث لأمر علاقتهما، أو بشكل أصح: لم يعد يكترث لأمرها هي. كان كلما سأله أحد من أصدقائه القلائل عن آخر أخبارهما (هو وهي) يرد بأن «لا جديد تحت الشمس»، دون أن يضيف بأنه لا زال يتواصل معها بين فترة وأخرى. في منتصف الصيف، كانا متفقين على أن لا مستقبل لهما معا، فهما يأتيان من عالمين مختلفين، وإن سكنا مدينة واحدة، أو كانا قادرين على الكلام لعشر ساعات متواصلة، وأحيانا أكثر. لكن بدا له أنه مهما حصل، فإنهما لن يستطيعا التخلي عن الوقت الرائع الذي يقضيانه معا.

وحين قررت تركه بعد تلك الصائفة، شعر أن شيء ما قد انكسر في داخله. لا، لم يكن قلبه الذي انكسر، فهو لم يكن قد وقع في حبها، وإن شعر لبعض الوقت أنه على وشك الوقوع، بيد أنه كان هذه المرة أعقل من يترك قدمه تتعثر في حبائل حب مستحيل آخر. كان محتارا بعض الشيء، خصوصا وهو يراها تهرب من مواجهته بالأمر، وكان كل ما يطلبه هو تفسير للذي يحصل، لكنه لم يلمها مطلقا. كان يقول لصديق: أنا أحترم قرارها، وأتفهم إن كانت لا تريد الاستمرار. وكان هذا الصديق يفتح فمه استغرابا، متهما إياه بالضعف وسوء التصرف. تجاهل الرد على الاتهام، فهو خنوع من الداخل، وإن كان يحاول التظاهر بعدم الاكتراث.

بعد كل حلقة من تواصلهما المتقطع، كان شعور غريب يغزو نفسه، محاولا تجاهله بأن يستغرق انتباهه في أي أمر آخر حتى ينسى. وكان ينجح في ذلك. لكن ذلك لم يدم إلى الأبد. قبل أسابيع قليلة، كانت حلقة أخرى من ذلك التواصل الذي لم يكن أي منهما يسعى إليه؛ كان الأمر عشوائيا على الدوام. كان هو مرتاحا بعد أن اطمأن على شأن كان يثير قلقه، فيما بدت هي، كعادتها، متحمسة ومنطلقة. تبادلا الحديث في الأمور العادية التي يتحدثان فيها عادة، إلى أن سألته عن «شؤون القلب» فأخبرها أن ليس هناك الكثير للتحدث عنه. لطالما تعجبت من رومانسيته رغم كل ظروف الحياة التي لا ترحم، فيما تعجب هو كيف أنه لم يشعر بالضيق حين أخبرته بأنها وجدت رجلا رائعا. دعا لها بالخير، رغم أنه ليس ممن يستخدمون الدعاء لتزيين كلامهم، ثم ودعها على وعد بلقاء لاحق لا يعلم أي منهما متى يكون.

عاوده ذلك الشعور الغريب، لكنه لم يتمكن من تجاهله أو شجبه هذه المرة. أدرك بعد لحظات من التأمل أمرا كان يختبأ في داخله دون أن يجرؤ على إخراجه: لقد غيرته هذه المرأة إلى درجة أصبح معها لا يستطيع الرضا عن نفسه مهما فعل. أدرك أن الأمر لم يعد يتعلق بعلاقتهما الصيفية التي انتهت مبكرا؛ إنه تغيير في صميمه هو، بدليل أنها قادرة على المضي في حياتها، كما توقع دائما، فيما هو لا يزال عاجزا عن الحركة، كما لم يتوقع أبدا. هو خائف من المستقبل، لكنه يحاول إلهاء نفسه بأشياء صغيرة.

هناك ٥ تعليقات:

  1. وما اكثر العلاقات التي ولا نجد لها عنوان ولا مسمى في زماننا

    كلام كثير يدور بمخيلتي الظنون

    ردحذف
  2. ليال:
    قولي، كلي آذان صاغية

    ردحذف
  3. هل هو وقت الفراغ ؟
    هل هي الحاجه للكلام وتفريغ ما يدور في داخلنا ؟
    هل هو الصيف ؟
    لا استطيع البوح بأكثر من ذلك
    هي اكثر من ذلك بكثير


    Shot of Death
    الظاهر صرت هدف جديد ؟
    الله يعينك يا احمد

    ردحذف
  4. غير معرف٢٩/٥/٠٦ ٢١:٤٥

    مرحباً

    أنا ممن يتابع ما تكتب منذ زمن، وأستمتع بذلك

    أرى أن هذه القصة تفتقر إلى الحدث الرئيس، أعني أنها مجرد قصة، ألم تفكّر في تحميلها أحداثاً تشعلها
    أو معالم أكثر تبعدها أكثر عن نسق الخواطر

    هذا لا ينفي أنني استمتعت بقراءة القصة وأعجبتني لغتها

    تحياتي

    ردحذف
  5. لغة سليمة ومشاعر جياشة

    جميلة القصة ولكني أشعر أن النهاية توقفت فجأة .. ولم ترضي إحساس القاريء بمعرف المزيد عنهما

    ردحذف