السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٣

كم أنت لا تعلم يا صديقي. كم تعبث المسافات فينا، وتلوث أنفسنا بشقائها. أنت لا تعلم كم أنا أختلف في الغربة. إن هذه المدينة تغيرني بطريقتها. رياحها السقيمة تَحفر صدري مثلما تنحت صخورها. سَماؤها العارية الغيوم تذرع روحي بالمزيد من الفراغ.
أوقاتي في هذه المدينة المتطرفة يتنازعها الهم والحزن والوحدة، وقليل من البهجة المزيفة. هذه المدينة التي ترفض العزاب، وترفض الفرح العلني، وترفض المظاهرات، وترفض الاختلاف.. أي اختلاف مهما كان تافها.
ولأني مهموم لا أرى أحدا. ولأني مهموم لا أسْمع أحدا. تتعطل حواسي، وأحيا في عمى وصمم وبكم تَهزمه الأوراق أحيانا. ولسبب ما لا أعلمه؛ أضن بِهمي عن الآخرين. ربَما بدا لي ذلك كريِما جدا.
ولأن الحزن عرفني هنا أكثر، عرفت ما عناه نزار بـ"مدن الأحزان"، وعرفت أن "الدمع هو الإنسان". ولَم أخف كثيرا حين عرفت أن اسْمه "أنا". لا يَجدر بأحد أن يَخاف من نفسه، أو من اسْمه، أو من ظله.
وأنا وحيدا جدا جدا يا صديقي. ربَما كان غريبا أن أربط وحدتي بك يا صديقي، لكنها حقيقة عارية، لن تستطيع سترها بورقة توت. ربَما لأن العري أقوى من الستر، وربَما لأن التوت لا ينبت في أرضهم القاحلة.
لكن ما يغرقني في بَحر من الاستغراب يا صديقي هو أني ما أزال حيا. أعجب من تَمسك بعضي بالبقاء، في الوقت الذي أحاول فيه أن أخلي سبيل الموت ليجتاحني. أريد أن أحقق أمنية واحدة: الموت بِحرية وكرامة. أرجوك، ساعدني يا صديقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق