من ها هنا، من حيث تستوحشني رياح الغربة وصفيرها المزعج، بدت لي أرضي
ظلماء أيضا. بدت ظامئة لسقيا عاطفتي المَخبوة في حنايا قلبي المفتوح.
ويا إلهي. كم كانت رغبة العود جبّارة القوى، وكم كان من استحالة مقاومتها.
ولكنني، حاولت بعناد طفل صغير أن أقاوم. حاولت أن لا أترك حبال رغائب
روحي على غارب الهزيِمة التي لم تيأس من تَحطيمي؛ كلما أضحت الشمس
في كبد السماء، وكلما انْمحق القمر في دكنة المساء.
حاولتُ أن أدمغ كل حجر يَمرّ علي بأربع كلمات: «أنا لا أزال حيا»، رغم
مساورة الشك لنفسي في صدق هذه الكلمات. ومن بين أربع الكلمات انسلّت
ألف عبارة قَهَرتْ نفسي على الإقسام بصدقها: أنا مكسور القلب، مَخذول
الأماني، خائر القوى، ضعيف الإرادة، وعاجز عن الكلام مع عصفورة كنتُ
أريق ماء وجهي كل يوم لِتزورَ نافذتي بين صباح وآخر.
وحالي توطد يقينا في داخلي يُشعرني بأني خُلِقتُ للرحيل لا للبقاء، وللنوى لا
للقاء. وأني غصن ملعون، لن تستطيع أرض في الكوكب المالِح أن تورِقه، ولن
تستطيع أرض في ذات الكوكب المزوّق أن تطمره. وحسبي أنها ستذره هكذا للهو
العواصف؛ أيبسَ من أن يطوّع، وألينَ من أن ينكسر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق