الثلاثاء، ٦ مايو ٢٠٠٣

رغبة عارمة في الاغتراب

صباح الخير يا عزيزي
كيف حالك؟ وكيف حال الفتيات الصغيرات؟
أكتب إليك؛ لأن الرياض موحشة ومقفرة. ولأني في هذا الصباح الملوث بهذر المحاضرين وددت الكلام مع النخيل، ومع عيون الماء الناضبة وعيون الحب النابضة.
هنا، أدرك كل صباح ـ وكأني أفعل ذلك للمرة الأولى ـ أن هذه الحالة من الغربة الجزئية لا تجدي معي نفعا. فالمسافة بعيدة بقدر ما يبتعد يوم الأربعاء، والمسافة قريبة بقدر ما ترضي عجلات المركبة نهمها الفض من إسفلت الطريق. هكذا وضع ليس فيه من الراحة ما يكفيني، وليس فيه من الغربة ما يكفيني؛ فلا أنا قادر على دفن طعوني في أرضي التي أنجبتني خديجا غير مكتمل، ولا أنا قادر على إلقاءها في صحراء يمكنني بلوغها في غضون 3 ساعات.
آه.. كم أود الابتعاد عن هذه الأمكنة. كم أود السفر إلى نصف العالم الآخر، حيث أقسم حياتي إلى نصفين: نصف أنشغل فيه بنفسي عن السلوان عما مضى، ونصف يملؤه اهتمام الآخرين والاهتمام بالآخرين. وأبدأ انتظارا لا يفكر بالانتهاء إلى خيبات الأمل، أترقب فيه أصوات الأحبة التي تأتي مخطمة بالحنين، والشوق الذي لم أعرف أحدا يجيد التعبير عنه. تأتيني أصواتهم على عجل تطاردهم فيه الخفافيش، وأنتشي بهم على وجل يطاردني فيه هاجس انقطاع الوصل. وكلما طال بي الوقت، وبعد بي العهد، سأعود إليهم بلهفة طفل صغير حاملا معي ابتساماتي التي كنت أحفظها لهم، ومحملا بقصص هي أقرب ما تكون إلى تهاويل صغيرة أرغب في إغراقها بأعينهم التي سأفتقد سوادها في أرض تنأى بنفسها عن السواد مهما اختلفت ألوانه.
عزيزي
كم سيكون رائعا لو استطعت تفهم رغبتي العارمة في الغربة الكبرى، ورغبتي في قضاء أوقاتي بأرض لا أخاف فيها إظهار كينونتي المطمئنة باعتقادها، بعيدا عمن يناصبك العداء، وبعيدا عمن يخاف الكلام إليك، فقط لأنك مختلف.
وصدقني إن قلت لك أني لا أعلم لمَ أوجه لك أنت بالذات هذا الكلام، ولكن، قل إنها رغبة صباحية في الحديث إليك صادفها أن يكون هذا الأمر على بالي.
ولا أظنني إلا أصدقك القول أيضا حين أقول أني أستشعر إحساسا داخليا يسرُّ إلي بوجوب لقاءك نهاية هذا الأسبوع، والجلوس معك من بين كل الأصدقاء. لا أدري، ولكن أحس أن كل روائح الأحساء تفوح حين أكون بمعيتك؛ تلك الروائح التي قال عنها أحد المعلمين القرويين يوما: إنها أطيب عنده من ريح المسك والعنبر، وأنه لا يستبدلها بكل زهور هولندا!! ضحكت يومها، لأني لم أكن أعرف رائحة الغربة التي لا أبالغ الآن حين أقول أنها مدعاة للاختناق.
وأخيرا يا عزيزي
لن أخفيك أني سآتي نهاية هذا الأسبوع، وأنا طامع في فسحة صغيرة من قلبك، أرمي فيها ما ناءت به أحمالي. بعد أن طال بي الترحال، وهدني تسلق كثبان الرمال، وخابت كل الآمال فيما عداك.. فهل ستكون موجودا هناك؟! آمل ذلك، رغم ما راعني أخيرا من خيبات متكررة.

ولك سلامي، مع خالص الود
أحـمـد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق