الاثنين، ٢٣ شوال ١٤٣٠ هـ

عشاء

مساء عادي جدا. في المطبخ الصغير تدير هي دفة الطهو، فيما هو يلعب دور المساعد المطيع. يعملان، يتكلمان، يتغامزان، يتغازلان.. يصمتان لبرهة فتطلب منه أن يضع بعض الموسيقى. يبحث عن أغاني «دار ويليامز» في «الآيبود نانو». يرفع الصوت قليلا، ثم يعود إلى المطبخ. انتهى العمل، وبقي الانتظار إلى أن ينضج الطعام. يسند ظهره إلى الجدار. ينظر إليها فتبتسم له. تقترب منه: «ما الذي تفكر فيه؟» يرد عليها: «لا شيء». دوما تسأله ما الذي يفكر فيه، ودوما يكرر نفس الجواب، وطبعا هي لا تصدقه أبدا: «لا بد أن أمرا ما يدور في هذه الرأس!». يبتسم، فتلثمه وتلثمه وتلثمه. تحيط خصره بذراعيها ولا يتحرك هو من مكانه. ينتهي إغماضهما في ذات اللحظة.

أصبح الطعام جاهزا. تسكب «الباستا» في صحنين عميقين، ويحملهما إلى غرفة الجلوس. يتجاهل طاولة الطعام ويتجه إلى النصف الآخر من الغرفة. يضعهما على طاولة القهوة المستطيلة ذات اللون البني الداكن. تأتي هي حاملة كأسا من الماء وشوكتين وملعقتين، ويعود هو إلى المطبخ ليحضر وعاء السلطة وزجاجة الكولا. يتذكر أنه نسي الملح لكنه يقرر أن لا يرجع مرة أخرى لإحضاره. الملح لا يستحق العناء. يخلعان أحذيتهما ويجلسان على الأرض. التلفزيون أمامهما يعلن الأخبار بصوت خافت دون أن يعيرانه اهتماما. تسأله إن كان طعم الأكل يعجبه فيجيب بـ«نعم». تتسع أحداقها قليلا في استغراب من جوابه المقتضب. يتذكر تهديدها القديم بأنها لن تطبخ معه مرة أخرى إن كان طعامها لا يعجبه: «لا، حقا، إنه جد طيب ...» جواب آخر لا يقنعها، لكنها تحب دماثته فلا ترميه بسؤال آخر.

بأقدام حافية يحملان الصحون والكؤوس إلى المطبخ. يعودان إلى الصالة، هذه المرة يجلسان على الأريكة الطويلة. تُطفأ الأضواء معلنة انطلاق ماراثون آخر من حلقات مسلسل «ويدز». يضع ذراعه حولها: يشاهدان حلقة تلو أخرى، يضحكان، يطلقان آهات التعجب، يداعب أنفها، تحتضن يده في يدها... ويمضي بعض الوقت قبل أن يجدها قد غفت على صدره. يقبلها على جبينها: «أنت متعبة، يجب أن تأوي إلى الفراش.» تومئ بالإيجاب. مساء عادي جدا؟ ربما.. لا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق