الأربعاء، ٢٩ ربيع الآخر ١٤٢٨ هـ

أسئلة الغربة

قبل أسبوعين أو أكثر، عندما كنا قاعدين في أطراف الصحراء، قال لي صديق أني كثيرا ما كنت أسر إليه شعوري بالغربة عندما كنت مراهقا غضا، وأنها شكوى لم تعد تتكرر كثيرا الآن. والحقيقة أن الغربة لم تغادر أضلعي مطلقا، لكنها لم تعد تداهمني وتخيفني كما كانت تفعل في الماضي. وقد يدهشه قولي هذا: لكني أشعر بالغربة أكثر ما أشعر بها مؤخرا حين تجتمع العائلة في مناسبة ما. أنظر إلى نفسي وأنظر إليهم، وأتساءل ما الذي يجمعنا على أي حال؟ صلات دم وتشابه أسماء؟ وماذا أيضا؟ هل هذا فقط كاف لكي أشعر بالدفء وسط أحضانهم؟ بالكاد. مؤخرا، يشغلني كثيرا الاختلاف الفكري الموجود بيننا.

لم أكن أفكر في هذا الأمر حتى جوبهت بهذا السؤال في مقابلة صحفية: «إن كنت تأتي من خلفية محافظة وعائلة عادية، كيف انتهيت مختلفا عنهم؟» بعد القيام بعشرات المقابلات تصبح الأسئلة مكرورة ومتوقعة، وأفضل المقابلات هي تلك التي تخرج عن دائرة التوقعات وتبحر في اتجاه آخر. تلك المقابلة التي جرت في جدة خلال شهر رمضان الفائت كانت أكثر مقابلة استمتعت بها على الإطلاق. ردي الأول على السؤال كان: «لا أعلم. لم أفكر في هذا الأمر من قبل». بعد تفكير قصير، أرجعت ذلك إلى سببين: أولا أن أبي وأمي منحاني مساحة من الحرية لم تكن متوفرة لأترابي وأقراني، وطبعا لم أكن لأستوعب ذلك في وقته، بل على العكس كنت مراهقا ثائرا لا يعجبه شيء وإن لم أنحُ ألى الجنوح على نحو متوحش. ثانيا كنت أقرأ. كنت أقرأ كثيرا. شغفي بالقراءة لم تكن لتوقفه ممانعة غير شديدة من والدي الذي لم يكن الأمر يضايقه كثيرا، لكنه كان يخشى أن تتأثر دراستي، وهذا ما حدث فعلا لاحقا. طبعا لا ألوم القراءة على تعثري الدراسي، بل ألوم نفسي لأني وافقت أن أدخل مجالا بعيدا عن شغفي وميولي، ولأنني غير قادر على تطويع نفسي لفعل ما يجب حين تعافه نفسي.

هذا كلام من باب «لو استقبلت من أمري ما استدبرت...»، وهو مما لا ترجى منه فائدة. لذلك، دعني أعد إلى ما بدأت به. أريد أن أقول: أنا ضعيف القلب، وأخاف الغربة رغما عن كل شيء. هي ربما لا تقسو عليّ كثيرا هذه الأيام بحكم التعود والمسافة، لكن ماذا سيحصل عندما أعود إلى مسقط رأسي يوما ما؟ كيف ستتقبل عائلتي ابنها الذي صار يصادق «الغرباء» ولا تعجبه طريقة زواجهم؟ هل سيتسامحون من طريقة حياته ويدعوه لشأنه مثلما يتعايش هو مع حماقاتهم التي لا تنتهي؟ ربما كانت كلماتي جارحة، لكنني لا أقصد الإساءة. أنا خائف فحسب.

أختتم بمقطع من حوار مع محمد الحضيف، والذي يقال أن العدد الأخير من مجلة «الإسلام اليوم» قد مُنِع بسببه: «الاغتراب حالة ذهنية. قد يشعر الإنسان بالغربة وهو في وطنه، بين أهله وأفراد مجتمعه. إذا نظرنا إلى «الاغتراب» على أنه «توحش» الإنسان، مما يجري حوله، مما لا يتسق مع موازينه، ولا يجري على نسق العالم الذي يصنعه في مخيلته.. ليعيش فيه، فإن هذا من نوع الاغتراب الذي يصنع المعاناة. الظلم بكافة أشكاله ، شيء موحش ، يقود إلى اغتراب ، وينتج معاناة.»

هناك ٦ تعليقات:

  1. غير معرف٣٠/٤/٢٨ ١٢:٥٣

    رواية الأغراب الطويلة..
    رواية أولئك الذين تموت أرواحهم، خوفاً من (الآخرين) ..
    رواية الذين يريدون الحياة.. لكن الحياة مملوءة بمن لا يريدونها لك..

    حسناً يا أحمد، ما زالت الغربة تكتنفني منذ الكلام القديم.. منذ أن أخبرتهم أني أريد طريقا مختلفاً..
    منذها وأنا في التيه..
    تيه لا قبل ببني إسرائيل به!

    ردحذف
  2. حطيت الملح على الجرح ..

    الحاله هذي يعاني منها ناس كثيرين من جيلنا ...
    اعاني منها كثيرا شخصيا و مضاعفه ربما لاني عايش خارج البلاد و هذا ما يسهلها لانني استطيع لوم الغربه الماديه ...
    و انا اعلم انه الغربه المعنويه هي الاكبر ،.،
    حاله عجيبه احس بها كل سنه لما ارجع في اجازه الى البلد . ...

    الله يستر من اللي راح يصير

    سلام

    ردحذف
  3. تدعوكم مجموعة كبيرة من المدونين التونسيين إلى الإنضمام إليهم في حملة تهدف إلى جعل يوم غرة جوان يوم التدوينة من أجل المغرب العربي الكبير، وتتمثل الفكرة في نشر تدوينة في اليوم المذكور للمطالبة بتجاوز الخلافات الحالية و بإتخاذ خطوات عملية نحو المزيد من الإندماج الفعلي لبلدان المغرب الكبير، كلّ مدوّن على طريقته وحسب نظرته الخاصة للموضوع.

    نرجو تجاوب الإخوان المغاربة ودعمهم لهذه الحملة الرمزية، وفي ما يلي الرابط للدعوة الرسمية:

    http://trapboy.blogspot.com/2007/05/le-1er-juin-je-blogue-pour-le-maghreb.html

    كما يمكنكم الحصول على لوجو الحملة للتعبير عن مساندتكم بإضافته لمدونتكم هنا:

    http://mossaab.benrhouma.net/?p=117

    كما نرجو مساعدتنا في التعريف بهذه الحملة لدى المدونين المغاربة. مع جزيل الشكر

    ردحذف
  4. Your writings have touched me - Apologies for writing in English, my laptop is not arabic enabled -
    I lived abroad for a while, and most of my friends still do. and we all have this overwhleming feeling of not really belonging anywhere anymore. When i was in Paris, i used to feel my life wont get stated until i go back home to lebanon - When i went back home, i missed my other home -
    When i recall this feeling, I have a sad shadow crossing in front of me...

    ردحذف
  5. السلام عليكم
    انا اقوم بمساعدة صديق لي عن طريق القيام ببعض الابحاث من اجل كتبة كتاب عن البلوغرز . يود صديقي القيام ببعض المقابلات مع الكتاب السعوديين الذين يتحدثون الانكليزية عندما يقوم بزيارة السعودية في بداية الشهر القادم. و يوج سؤالك اذا كان عندك استعداد للمساعدة مشكورا او كنت مهتما باجراء المقابلة معه الرجاء الاتصال بي على العنوان التالي lordarabia@yahoo.com or lord_arabia@hotmail.com
    مع بالغ شكري و تقديري و اعجابي.

    ردحذف
  6. غير معرف٢٤/٧/٢٨ ٠٠:٢٨

    أخي المغترب أو بالاصح الغريب بين عالم ملئ....
    قد تحتويك حالةالأحساس بالغربة بسب
    البعد والمسافات الشائعة بين اولئك الذين تكون بينك وبينهم صلة الدم والأسم ...وهذة نفس حالتي قد أكون بينهم كالغريب ولا أستطيع أن أفتح معهم اي نقاش...
    هل تتخيل انة يتبادر الى ذهني سؤال هل من جد هؤلاء من أقاربي وماهي صلة القرابة ؟؟؟؟
    ثانيا المستوى الثقافي بينك وبينهم...قد يجعل بينك وبينهم مســـــــــــــــــاحات الله أعلم بها
    أخي الغريب
    حالتك نفس حالتي وأحاول الأبتعاد
    والأنزواء وأصبحت الأنسان الغامض...
    كان الله بعوني وبعونك ..
    ولكن الحال أعجبني...

    ردحذف