الاثنين، ٦ ربيع الآخر ١٤٢٨ هـ

أماكن: «الحديبية»

لو قُدِر لك أن تقوم بزيارة للأحساء، فمن غير المتوقع أن تكون «مدرسة الحديبية المتوسطة» أحد المعالم التي تتوقف عندها، إلا إذا كان مرشدك السياحي هو كاتب هذه الأسطر، وهذا شيء لا أضمنه على أي حال. وقد يسأل سائل يعرف هذه المدرسة: ما هي أهمية هذا المبنى المتهالك إلى درجة أن السبب الوحيد الذي يجعل وزارة التربية والتعليم تبقيه مفتوحا هو إتاحة الفرصة للجميع للاطلاع على واقع التعليم المحلي في العصور السحيقة؟ والإجابة على هذا السؤال تطول، لكن دعني أقول فحسب أن ما يمنح هذه المدسة أهميتها عند شخصي المتواضع على الأقل هو أن الثلاثة أعوام التي قضيتها بين ظهرانيها غيّرتني كما لم تغيرني أي مرحلة دراسية أخرى.

سبعة أعوام مضت منذ أن تركت «الحديبية» قمت خلالها ببضع «زيارات حنين» خاطفة اقتصرت على السلام على من تبقى من معلميّ السابقين والتجول في ممرات وحجرات شهدت شقاوة سني الانتقال من الطفولة إلى المراهقة برفقة مجموعة من الطلاب الذين أطلق عليهم فيما بعد «العصابة». لا زلت على اتصال ببعض أعضاء العصابة، لكن بالنسبة للأغلب الأعم منا فإن الحياة قد فعلت فعلها فينا بالتفريق ومزقت شملنا شر تمزيق. أما بالنسبة لمعلميّ المدرسة فإن الوحيد الذي لا زلت على اتصال معه حتى الآن هو الاستاذ مصطفى العقيلي، الذي درسني مواد اللغة العربية خلال الثلاثة أعوام التي قضيتها هناك، والذي تحول من مجرد «معلم سابق» إلى صديق عزيز.

كحال بقية الموظفين والطلاب في مدينة الرياض، تمتعت بإجازة استثنائية خلال الأسبوع الذي شهد إقامة القمة العربية. ولهذا قررت أن أستغل تواجدي وسط الأسبوع في مسقط رأسي، وطلبت من معلمي السابق وصديقي الحالي أن يأذن لي بحضور بعض الحصص الدراسية عنده، فوافق بشرط أن آتي للمدرسة مرتديا ثوبا وغترة، لأن مجيئي مرتديا ما أرتديه عادة «جينز وتي-شيرت» قد يلفت الأنظار ويسبب ارتباكا للطلاب. ورغم أني لا أمانع لفت الأنظار وأستصعب وضع الغترة والعقال فوق رأسي إلا أنني رضخت لشرطه. وصلت إلى المدرسة في بعد العاشرة صباحا بقليل، جلسنا في «غرفة المدرسين» حيث صادفت بعض المعلمين القدامى وبعض الجدد، ثم اتجهنا إلى أحد الصفوف مع بداية الحصة الخامسة. أخذت موقعي في الخلف حيث يمكنني متابعة الشرح، لكن كان من المؤسف أن هذا المكان لم يسمح لي برؤية وجوه الطلاب جيدا ومراقبة انفعالاتهم.

ردة فعلي الأولى كانت: «هؤلاء الطلاب صغار جدا! هل من المعقول أني كنت بهذا الحجم والشكل حين كنت هنا؟» مع انقضاء بعض الوقت، بدأت أدرك أن الطلاب هم الطلاب مهما تغيرت الأماكن والأسماء، وأعتقد أن كثيرا من المعلمين، بما فيهم صديقي، قد يختلفون معي هنا: فبين المتحمسين وغير المكترثين وكل ما قبلهم وبعدهم وبينهم، لا أعتقد أن هناك نوعا من الطلاب لم أره خلال مراحل دراستي. من الأمور التي أثارت اهتمامي هو «سلوك القطيع» الذي يسود الطلاب عند محاولة الإجابة على الأسئلة التي ليس لها أجوبة محددة. ما إن يذهب أحدهم في اتجاه معين حتى يتبعه الجميع دون إشغال كثير من التفكير. طبعا كانت هناك ومضات استثنائية، حتى وإن لم تخلُ هذه الأخيرة من سذاجة في بعض الأحيان. أيضا، كان من الواضح هيمنة الانفعال العاطفي على الطلاب، وهي سمة عامة للمراهقين في هذه المرحلة، وقد عانينا - وعانى أهالينا معنا - الأمرين حين كنت وأقراني نمر بها.

هناك ٣ تعليقات:

  1. أي انا شفتك حتى تقول الي يبي يعبر عن

    الطبيعة يروح عند الحديقة في صف
    أولى ثالث

    ردحذف
  2. غير معرف١٤/٥/٢٩ ١٦:٢٢

    أنت يوم جيت الفصل كانت حصة تعبير وأنا كنت من الجالسن في ذلك الحين وخبرنا استاذ عن قصتك قبل ماتأتي بيوم ----الاسم حسن العشوان-- انا الان في صف 2/4

    ردحذف
  3. أخي الكريم انا من طلاب الحديبيه في السنوات الثلاث الماضية لكن الان فارقتها وحزنت كثيرا ولكن يجب ان ننظر الى الأمام دائما . عملت مثلك في التصرف فزرت الحديبية وحظرت حصة من حصص معلمي او كما اقووول الان صديقي مصطفى العقيلي فأحسست بشعور غريب وكأني أحد طلابه بل وكأني لم أخرج منها ... لكن سنة الحياة تقدر علينا ان نفارق من نحب .
    آخيرا . أحب أن سلامي الى الرجل العظيم الاستاد مصطفى العقيلي وإليك ...

    ردحذف