حال التدوين السعودي

رغم رغبتي وفضولي الشديد، لم أتمكن من حضور اللقاء التأسيسي لـ(أوكساب) في الرياض، لأن اختبارا مهما في مقرر Pathophysiology كان ينتظرني في اليوم التالي. الأهداف المعلنة لـ(أوكساب) تبدو نبيلة وجيدة، لكنني لم أتقدم بطلب للانضمام بعد، في انتظار أن أرى طريقة عملهم، والخطوات الفعلية التي سيتخذونها لتحقيق تلك الأهداف. للوهلة الأولى، يمكن النظر لـ(أوكساب) كمجتمع نخبوي يضع قيودا واضحة للانضمام إليه، على عكس SaudiBlogs.org مثلا الذي يتلخص شرط الانضمام إليه في أن تكون المدونة «من أو عن السعودية».

لكن تلك النظرة المتسرعة قد لا تكون في محلها (أو على الأقل هذا ما أتمناه). أعتقد أن القصد في النهاية هو التركيز على المحتوى الجيد، الذي يبدو نادرا في المدونات المحلية إلى درجة تثير الضيق عندي وعند المهتمين بشأن المحتوى الإلكتروني، والمدونات على وجه التحديد. خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن المنتديات تحفل ببعض الكتاب الجيدين القادرين على جذب جمهور لا بأس به إذا هم بدؤوا مدوناتهم الخاصة؛ بعيدا عن صخب المنتديات ومجاملاتها وحروبها التي لا تنتهي. بالإضافة إلى رواد المنتديات، يمكن للمدونات أن تكون متنفسا للصحفيين والكتاب الذين قد لا يجد نتاجهم طريقه إلى الصحافة التقليدية. إن استطاع شباب (أوكساب) إغراء هؤلاء بالانضمام إلى ركب التدوين فإن ذلك سيكون إنجازا رائعا يحسب لهم بكل تأكيد.

إن تحليلا سريعا للمدونات السعودية الموجودة حاليا سيكشف لنا عن اتجاهين يغلبان على تلك المدونات:
ــ مدونات لشباب ذوي اهتمامات تقنية (Geeks).
ــ مدونات لفتيات بين 15-25، معظمهن ممن عاش أو يعيش في الخارج.
وللأسف أن كلا هذين الاتجاهين ليس لديهما الكثير ليطرحانه على مستوى المحتوى الجدير بالمتابعة. فالاتجاه الأول قد تقتصر متابعته على أصحاب الاهتمامات المشابهة، فيما تغلب الصفة الشخصية على الاتجاه الثاني. يجدر بنا أن نلاحظ أيضا أن اللغة العربية لها نصيب الأسد في مدونات الاتجاه الأول، فيما اللغة الانجليزية هي الأكثر انتشارا في مدونات الاتجاه الثاني. وبما أن الحديث عن اللغة، فإنني أود أن أسجل تحفظي على اشتراط (أوكساب) أن تكون المدونة باللغة العربية للانضمام إليهم، لأن هذا الشرط سيؤدي إلى استبعاد بعض المدونات السعودية الجيدة والرائدة، والتي تلعب دورا مهما في تعزيز تواصلنا مع العالم الخارجي.

إذا، ما العمل الذي يجب أن نقوم به لتعزيز المحتوى في المدونات السعودية؟ قد لا يكون مفاجأ القول أن الحل يكمن في مزيد من المدونات، فكلما زاد عدد المدونات المتوفرة زادت فرصة العثور على المحتوى الجيد بين صفحات تلك المدونات. لكن الكم وحده لا يكفي، بل يجب أيضا التركيز على الكيف عن طريق الزيادة «النوعية» للمدونات؛ بعبارة أخرى، يجب العمل على إنتاج «مدونات متخصصة»، ومن الأفضل أن تكون هذه المدونات نتاج عمل فريق مكون من عدة أعضاء حتى نضمن التنوع والاستمرارية، لكن لا بأس أن تكون هذه المدونات فردية إن كان التخصص ضيقا ومحددا (niches). هذا الموضوع يشغلني منذ زمن، وفي بالي عدة أمثلة على ما يمكن فعله في هذا المجال، سأورد منها مثالين هنا:

ــ مدونة كرة القدم السعودية: تمتلك المملكة بعض أقوى البطولات المحلية على مستوى المنطقة، ومنتخبها أحد الأفضل في القارة. أعتقد أن مدونة تهتم بشؤون كرة القدم السعودية يمكن أن تحقق نجاحا كبيرا، خصوصا أن مشاركة المنتخب في كأس العالم للمرة الرابعة على التوالي قد باتت على الأبواب.

ــ مدونة «شؤون محلية»: رغم كثرة عدد الصحف في المملكة (نسبيا)، إلا أن هذه الصحف تتركز في عدد محدود من المدن الكبيرة. وفي كثير من الأحيان تكون تغطية الأخبار المحلية ضعيفة ورتيبة مما يجعل الصحيفة تبرز أخبارا خارجية على حساب القصص المحلية التي يجب أن تكون لها الأولوية، بالإضافة إلى أن هذه الصحف لا تتمتع بمصداقية كبيرة لدى القراء. هناك فرصة كبيرة للنجاح هنا، ويمكن الاطلاع على «مدونة الإمارات» كمثال لا بأس به.

ختاما، هناك الكثير من الأفكار، وهذا الشأن يحتمل نقاشات موسعة، لذلك أرجو أن لا تترددوا في إضافة ما لديكم، سواء كان ذلك هنا في التعليقات أو على مدوناتكم الخاصة. أنا في انتظار أن أسمع المزيد من الجميع حول هذا الموضوع.