الأحد، ١٥ يناير ٢٠٠٦

اتحاد سيء وصحافة حمقاء

إذا كنت قد قررت أن تضيع بعضا من وقتك في قراءة أرشيف هذه المدونة، فربما لن يخطر على بالك أن تكون الرياضة بشكل عام، وكرة القدم على وجه الخصوص، أحد اهتماماتي. لكن كما كتبت من قبل: «نحن بشر.. نحن أصعب وأكثر تعقيدا مما يرى في الأعين الضيقة». قد يكون أحد الأسباب لذلك هو أن هذه المدونة أصبحت امتدادا لدفتر يومياتي القديم، وبما أن الرياضة شأن عام، فليس من المتوقع أن تجدها في مكان غارق في الخصوصية والأمور الشخصية كدفتر اليوميات. أما وإن دفتر يومياتي قد أصبح علنا مشاعا على شبكة الإنترنت، فلم أعد أرى ضيرا من الكتابة في الشؤون العامة على صفحاته.

لم أؤيد قرار الاتحاد السعودي لكرة القدم بإقالة المدرب الارجنتيني غابرييل كالديرون لعدة أسباب. أحدها هو أننا على بعد 6 أشهر فقط من منافسات كأس العالم المقرر إقامتها في ألمانيا الصيف المقبل، بالإضافة إلى أن سجل كالديرون مع المنتخب لم يكن سيئا حتى الآن. فنحن بالتأكيد لا نستطيع محاسبته على خسارة كأس الخليج في قطر لأنه لم يتولى مهمة تدريب المنتخب إلا قبلها بعشرة أيام فقط. ثم جاءت تصفيات كأس العالم بعد ذلك، وتمكن الأخضر من التأهل بجدارة عن مجموعته، وبدون هزيمة، مع فوز لافت للنظر على كوريا الجنوبية في عقر دارها في آخر مباراة بالتصفيات، وذلك بعد أن ضمن المنتخب تأهله للنهائيات.

بين هذا وذاك، خاض المنتخب السعودي منافسات لعبة كرة القدم بدورة الألعاب الإسلامية التي احتضنتها مكة المكرمة، وحصل على الميدالية الذهبية، رغم أن هذه المنافسة ليس لها أي قيمة على المستويين الإقليمي والدولي. بالإضافة إلى ذلك، لعب المنتخب عدة مباريات ودية؛ فاز في بعضها، وتعادل وخسر في بعضها الآخر، فضجت الصحافة كعادتها، رغم التأكيد بأن المباريات الودية ليست هي المحك للحكم على المنتخب.

ثم أخيرا جاءت دورة ألعاب آسيا في قطر، فكانت القشة التي قصمت ظهر كالديرون. قرر اتحاد الكرة أن يخوض المنتخب منافسات الدورة بتشكيلة من البدلاء الذين سيختار أفضلهم لينضموا إلى التشكيلة النهائية التي ستسافر إلى ألمانيا. فاز المنتخب فوزا هزيلا على المنتخب الفلسطيني، ثم خسر بخمسة أهداف مقابل هدفين، وبهدفين مقابل لا شيء من المنتخب العراقي. صحافتنا الحمقاء في معظمها، لم تفوت الفرصة، وأخذت تعزف على وتر إقالة المدرب، لعلمها بأن الاتحاد السعودي ضعيف ويتأثر بكل ما يكتب في الإعلام من حماقات. وبالفعل، بدأت صحفنا بحياكة الشائعات حول إقالة المدرب الذي كان على رأس العمل مع المنتخب في قطر، وحول هوية المدرب الجديد. وصل ذلك إلى درجة أن صحفيا سعوديا لم يخجل من أن يقول لكالديرون في مؤتمر صحفي في الدوحة أن هناك توجها في السعودية لإقالته، رغم أن هذا الكلام كان تنبؤات صحفية فحسب. ولم يجد كالديرون ردا على ذلك سوى ابتسامة ساخرة.

لكن الاتحاد السعودي لكرة القدم لم يشأ أن يضيع الفرصة للتأكيد على السمعة السيئة التي يتمتع بها في مجال التعامل مع المدربين، فقام بإقالة المدرب كالديرون، وأضاف فصلا جديدا لفصول رواية طويلة تتناول تفاصيلها التعاقد مع بعض أفضل المدربين في العالم، ثم إقالتهم لأسباب سخيفة دون أي احترام لعملهم مع المنتخب، وتاريخهم التدريبي مع منتخبات وفرق أخرى. هذا الأمر جعل الاتحاد السعودي في وضع سيء جدا حين يتعلق الأمر بالتعاقد من مدرب جديد، لأن معظم المدربين الكبار باتوا يترددون ألف مرة قبل قبول خوض مغامرة مع المنتخب السعودي، تكون عواقبها سيئة النتائج في معظم الأحيان.

وبالمناسبة، فهذه المشكلة ليست الوحيدة التي يعاني منها الاتحاد. الاتحاد السعودي لكرة القدم يعاني من مشاكل عديدة، أهمها افتقاده للإدارة الجيدة. فإدارة منظمة مثل اتحاد كرة قدم، تتطلب المزج بين الخبرة الرياضية، والخبرة الاستراتيجية والتسويقية، وكلاهما غائب عن الاتحاد السعودي. غياب الأمر الأول تشرحه الإقالات المتتابعة للمدربين، والتصريحات الخاطئة التي نسمعها من مسؤولي الاتحاد في كل حين. أما الأمر الثاني، فيشرحه سؤال صغير: ما هي الأسباب التي تجعل الاتحاد عاجزا عن توفير عقود رعاية تغطي تكاليف المنتخب؟ في حين أن منتخبا يعد من الأبرز على مستوى آسيا ليس من المفترض أن يعاني من مشاكل في هذا الشأن.

هذه المرة، لم يتأخر الاتحاد في الإعلان عن هوية المدرب الجديد كما حصل بعد إقالة المدرب الهولندي فان دير ليم. كان من الواضح أن الاتحاد لن يكلف نفسه مؤونة البحث عن مدرب جديد، وسيستعين بأحد مدربي الفرق المحلية. وكان من الواضح أيضا أن الخيار محصور بين مدرب نادي الهلال البرازيلي الجنسية ماركوس باكيتا، ومدرب نادي الاتحاد الروماني الشهير انجل يوردانيسكو. وبما أن الاتحاد السعودي كان قد حاول في الماضي التعاقد مع يوردانيسكو، ولم تعجبهم الطريقة التي تعامل بها المدرب الروماني مع عرضهم، فإن كل المؤشرات كانت تتجه نحو الإعلان عن باكيتا مدربا جديدا للمنتخب. وهذا ما حصل فعلا، وسط سخط معظم الجماهير الهلالية التي لم ترد أن تخسر مدربا حقق مع الفرق خمس بطولات خلال عام وبضعة أشهر فقط. الكثيرون يرون أن ما حصل من تنازل الهلال السريع عن مدربه كان منطقيا، لأن «مصلحة المنتخب أهم من مصلحة الأندية»، لكنني أرى أننا لا يجب أن نكون ملكيين أكثر من الملك نفسه، وأن من المفترض أن يكون مسؤلوو الاتحاد أكثر حرصا من مسؤولي الأندية عن مصلحة المنتخب، لا أن تتحمل الأندية تبعات قرارات اتحاد كرة القدم الخاطئة.

المدرب البرازيلي باكيتا مدرب جيد، لكن ليس من المنطقي أن نتوقع أن يحقق أي نجاحات مع المنتخب. ففي كثير من الأحيان، يكون مصير المنتخب مربوطا بأقدام لاعبيه، وليس برأس مدربه. كل ما أتمناه هو أن لا تكثر الصحافة من حماقاتها مع باكيتا كما فعلت مع كالديرون، الذي وصل به مرة إلى أن انفجر غاضبا وصرخ في وجه أحد الصحفيين، بعد أن أعاد عليه سؤالا غبيا عن سبب عدم ضم بعض اللاعبين. أتوقع أن باكيتا، الذي أشاد بالإعلام السعودي في غير مناسبة، لن يواجه مشاكل كثيرة في اختيار التشكيل المثالي للمنتخب، فيما عدا خط الدفاع، ومركز قلب الدفع على وجه التحديد. فرضا تكر لم يعد يتمتع بذات المستوى الذي ظهر به مع فريقه السابق، كما أن نايف القاضي قد ارتكب من الهفوات الكثير جدا مما لا يشفع له حتى باللعب احتياطيا مع الأهلي.

أعتقد أن أحد أفضل الخيارات المطروحة أمام المدرب هو ضم مدافع الهلال فهد المفرج، الذي لم تتح أمامه فرصة الانضمام إلى المنتخب، رغم أنه قدم مستويات عالية خلال الموسم الماضي (المفرج ليس الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة، هناك بعض اللاعبين، الذين مهما قدموا من مستوى جيد، فإنهم، ولأسباب أعجز عن إدراكها، لا يجدون طريقا إلى المنتخب). بالإضافة إلى المفرج، أعتقد أن لاعب الاتحاد حمد المنتشري الحائز على جائزة أفضل لاعب في آسيا مؤخرا، واللاعب المنتقل إلى الشباب حديثا أحمد البحري هم أفضل الخيارات المطروحة أمام المدرب لشغل هذا المركز. رأينا البحري مع كالديرون يلعب في مركز الظهير الأيمن، لكن أعتقد أن مكانه الطبيعي هو في قلب الدفاع. أما اللاعب الرابع الذي أرى أنه الأنسب للانضمام إلى هذا الثلاثي فهو مدافع الوحدة كامل الموسى.

ستة أشهر تقريبا تفصلنا عن انطلاق منافسات كأس العالم، ويتوجب على المنتخب خلالها الكثير من العمل الجاد، وخوض كثير من المباريات الاستعدادية القوية، كي يصل إلى المستوى المأمول قبل أن يلعب مباراته الافتتاحية أمام منتخب تونس يوم الرابع عشر من يونيو المقبل في مدينة ميونيخ الألمانية. تمنياتنا للصقور الخضر بالتوفيق، وأن يكون المنتخب، واللاعبون على وجه الخصوص، عند الآمال الموضوعة فيهم، وأن لايخيبوا ظن الجماهير الوفية التي ظلت تتبعهم في السراء والضراء.

هناك تعليقان (٢):

  1. لا أتخيل أن الأمر سينتهى على شئ .. سوى فضيـــــــــــــــــحة جديدة

    ردحذف
  2. غير معرف٢٤/١/٠٦ ٠٧:١٠

    أعتقد ان قرار إقالة كالديرون قرار متسرع جداً
    ونتامل خيراً من باكيتا
    ولو أني أعرف انها كالعادة مدرب جديد لا يعرف المنتخب ولا إمكانياته
    فضيحة جديدة

    ردحذف