استبشر كثير من السعوديين باعتلاء الملك عبد الله هرم السلطة في المملكة. وقد بنى هؤلاء استبشارهم على معرفتهم بشخص الملك الذي عرف كأحد الأمراء القلائل المحبوبين من قبل عامة الشعب. أما أسباب شعبية الملك الجديد فتعود إلى ما يعرف عنه من تواضع، بالإضافة إلى بعده عن الفساد الذي عرف عن، ويستشري في أوساط، العديد من أفراد الأسرة المالكة. أعتقد أن ما لم يتوقعه السعوديون رغم استبشارهم، هو أن يرد الملك على هذا التفاؤل ببعض المبادرات الإيجابية التي رفعت معنوياتهم عاليا، مثل أسعار النفط هذه الأيام.
المبادرة الأولى كانت توجيه الملك برفع رواتب الموظفين الحكوميين. هذا الفعل لاقى ترحيبا واسعا في أوساط السعوديين، وبالذات طبقة الموظفين منهم، خصوصا أن ظروف الحياة في البلاد لم تعد كالسابق. كان هذا مدار حديث الجميع خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكن هذا لم يبدُ أنه يعني الكثير لمن هم أمثالي من الطلاب الجامعيين. طبعا نحن لم نتوقع أن تشمل الزيادات مكافآتنا، لكن البعض لا يحلو له أن يروي الأخبار دون أن يرفقها ببعض الشائعات. أنا لا أطالب بزيادة المكافآت، لكن أطالب بإلغاء القرار الذي صدر قبل عدة أعوام بإقاف مكافآت الطلاب الذي تعدت سنوات دراستهم الوقت المقرر لها. فهؤلاء الطلاب الذي تأخروا في دراستهم، يكون ذلك قد حصل لهم في الغالب نتيجة لمرورهم بظروف معينة، وحرمانهم من المكافأة سيضع مزيدا من الضغط عليهم، وسيزيد ظروفهم سوء.
المبادرة الثانية كانت توجيه الملك بإن لا يطلق أحد عليه لقب "مولاي". أتذكر أن أبي - رحمه الله - لم يكن يثير حنقه شيء بقدر أن يخرج أحد على التلفزيون ليسكب الثناء على الملك أو أحد الأمراء مبتدء باللفظ "مولاي". كان يرى في ذلك منتهى النفاق، ورغم أنني لا أشعر بذات الحنق إلا أنني لا أختلف معه في مسألة النفاق هذه. من الغريب أن الوهابيين يتشددون في مسألة التعظيم هذه حين تتعلق بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته (عليهم السلام)، وصحابته الكرام (رضي الله عنهم)، لكنهم لا يجدون غضاضة في أن تمتلأ وسائل إعلامنا وألسنة البعض منا بذلك.
المبادرة الثالثة من الممكن أن تدرج مع الثانية، وهي إبداء الملك رفضه لتقبيل يده من قبل المسؤولين أو المواطنين، واعتباره ذلك التصرف دخيلا على القيم والأخلاق، على أساس أنه تصرف لا تقبله النفس الحرة الشريفة. وسأل الملك الجميع أن يمتنعوا عن ذلك إلا للوالدين برا بهما. لا أعتقد أن هذا الأمر سيعجب بعض الأشخاص في البلاد، ممن يبدو لي أنهم يستمتعون بتقبيل الناس لأياديهم، وذلك بالنظر إلى الابتسامات العريضة التي تحتل سحناتهم حين تحين الفرصة للمنافقين للقيام بذلك العمل. كل ما أتمناه هو أن لا يخرج علينا أحد عائدا بعادة تقبيل اليد هذه متعللا بأن الملك بمثابة والده.
كل ما سبق هو مؤشرات إيجابية، وقد تكون أمورا صغيرة، لكني أرى أن لها رمزية كبيرة. الخطوة التالية للملك يجب أن تكون تحقيق ما نص عليه في خطابه الأول بعد اعتلائه للعرش من سعي لتحقيق المساواة التامة بين جميع المواطنين. ستكون هذه أحد أصعب المهام التي ستواجه الملك، خصوصا في ظل وجود عدد كبير من المتنفذين الذين لا أعتقد أنهم سيكونون سعيدين برؤية الأقليات التي اضطهدت وهمشت على مدار تاريخ المملكة تنال حقوقها، وتهنأ برفع الظلم عنها، وبفرص متساوية مع جميع أبناء هذا الوطن.
أتوقع أن المساواة بين طبقات الشعب المختلفة و فئاته المتعددة دينيا و قبليا و مذهبيا هو أمر ليس صعبا البتة
ردحذفو لكن ذلك يحتاج لبعض الوقت, و بعض الإستراتيجيات البسيطة كرفع مستوى التعليم و الثقافة بين الشباب السعودي
على العموم, موضوعك جميل و اعلم أنه أحد المواضيع القليلة اللتي قرأتها كاملة
لك تحياتي