الخميس، ١٨ مارس ٢٠٠٤

... وسنبقى

للنهار إغفاءات حيية؛ فيها ينبت الصمت على حواسنا، ونواري دمعنا الأعين. تخلق الدروب نفسها في دواخلنا. وتأخذنا إلى الضواحي التي نهملها بأدنى اهتمامنا. تحاول الساعات أن تمشطنا. تحاول إحالتنا مسخا واحدا.
طوق الحياة ليس واسعا، وقد يثخن أعناقنا وصدورنا بالجراح. قد لا ننجو إن لم نعتنق، ونتخاصر، ونمزج دمعنا وعرقنا. قد يخنقنا الطوق إن لم نصهر أصواتنا في شفة واحدة. وقد لا يستطيع الآحاد انتشالنا من الغياهب السوداء.
أحيانا يتوجب علينا خلع عباءاتنا السوداء، ودفنها في عظامنا الطرية، واستبدالها برايات بيضاء: تلتبسنا، نأتزرها، ونتماهى معها حتى تخرج جسومنا من غير سوء.
ثم نستمطر غيوم الصبر حتى نواصل دربنا، ونعتق رحيق غد في قربة المجهول. نمتطي خيول القدر الموحش المتوحشة، ونهشم صدر الأرض بركض لا طائل له ولا جدوى. ولذلك؛ لن نصل إلى لا مكان. يغشانا الرهق، فنضرب أطناب خيمة من سراب، ونشد أوتادا صنعت من ماء مبارك، ونشعل نارا زرقاء.. دفئها أزرق وحطبها مكتوب عليه "سقر".
عبثا تحاول الحياة استنباتنا في تلك البقعة الرخيصة. إصرار محاولاتها مبتذل، ونبرة صوتها بالية كطمي الأرض.
نحن رُحّل، أو قد غدونا كذلك. شئنا ذلك بكل إباء. وكتمنا صمتنا عن جهالة هذه الأرض اللعينة. وسنبقى..