مريض إلى درجة تبعث على الضحك

أتابع منذ فترة موقع الساحات، الذي دائما ما يوصف بـ(الأصولي)، وهو وصف قد يكون قاصرا في بعض الأحيان لوصف كثير من الطروح المتطرفة في هذا الموقع. السبب الوحيد الذي يجعلني أتابع ما يطرح في الساحات هو السبق الإخباري الذي يتوفر في المنتدى أسرع من المواقع الإخبارية والصحف المحلية. ولعل من الملائم في هذه المناسبة أن أتأسف على هذه الحال التي نعاني منها حين يتعلق الأمر بالمحتوى الإلكتروني، حيث معظم المواقع التي من المفترض أن تخدم أهدافا مهمة هي في وضع مزر، في الوقت الذي ينصب كل الاهتمام على المنتديات التي تعج بالغث والسمين، مع غلبة مطلقة للأول. لنصلي فقط لأن تساعد المدونات على تغيير هذا الحال (المائل).

عودة إلى الساحات: خلال الأسبوع الفارط، كان هناك موضوعان مما يمكن تسميته بالمضحكات المبكيات، أو ما أحب أن أسميه (مريض إلى درجة تبعث على الضحك)! الموضوع الأول هو اقتراح من شخص يقول أنه تفاجئ حين علم أن الشيعة (يصومون ويعيدون في وقت غير الوقت الذي يقره مجلس القضاء الأعلى). وحيث أن هذا الشخص لا يبدو كمن يعلم أشياء كثيرة، فربما من الجيد أن يعلم بأن قسما كبيرا من الشيعة، أنا أحدهم، قد وافق العيد عنده يوم الخميس كما حصل مع السنة تماما، وأن المسألة ببساطة هي مسألة اختلاف مرجعيات، كالذي حصل تماما حين أعلنت عُمان أن شهر الصيام عندها سيبدأ متأخرا يوما واحدا عن الدول المجاورة. أيضا، ربما لا يعلم هذا الشخص أن مجلس القضاء الأعلى الذي يشير إليه لا يضم شيعيا واحد، فكيف يطالب الشيعة بالرجوع إليه؟

حسنا، قد تتساءلون أين الجزء المضحك؟ والجواب، ها هو قادم: الرجل، وبكل حسن نية كما يبدو، يقترح ما يسميه (الحل الأمثل)، ويتلخص في نقل شيعة المملكة إلى إيران، ونقل سنة إيران إلى السعودية! أي عبقرية تفتقت عن هذه الفكرة النيرة التي لم يسبقه بها أحد؟ طبعا، لن أدخل في المسائل الأخرى، كالتشكيك في ولاء الشيعة السعوديين لوطنهم، فهي أسخف من الرد عليها، وكذلك تلك التي تستهجن رجوع بعض الشيعة في المملكة إلى علماء في إيران، والرد عليها باختصار كما يلي: اختلاف المرجعية الدينية لا يتناقض مع الولاء للوطن؛ فحين يعمل مسلم من المغرب بفتوى للأزهر، فهل هذا يعني أن ولاءه لمصر وليس للمغرب؟ وحين يتبع مسلم قطري فتوى صادرة عن هيئة كبار العلماء في السعودية فهل هذا يعني خيانته لوطنه؟

الموضوع الآخر، بدا كاحتجاج شبه شديد اللهجة على خطاب القيادة السعودية بمناسبة حلول عيد الفطر، والذي يقول عنه الكاتب بأنه يدق ناقوس الخطر في نفس كل غيور. صاحب الموضوع يرى أن عبارات نحو (إخواننا في الإنسانية) تتنافى مع الأساس الذي قامت عليه الدولة، التي يحب تسميتها بدولة التوحيد، وذلك لأن هؤلاء هم (أرجاس البشر من اليهود والنصارى)، ولأنها عبارة تعود على سماعها ممن سماهم (أرباب الماسونية). لقد قلتها من قبل، ولا أرى ضيرا في إعادتها، من أن مناهجنا الدراسية وثقافتنا المتطرفة أسهمت إلى حد كبير في إنتاج عقول تنضح بالجهل وتنوء بالكراهية، وتنظر إلى العالم بمنظار مدمر. الكاتب مستاء جد لتركيز الخطاب على الإنسانية! لا أدري إن كان يجب علي أن أضع رأسي بين ركبتي باكيا، أو أن أستلقي على ظهري من شدة الضحك! أحاول بشدة أن لا أنفي صفة الإنسانية عن الكاتب، ولكن لا يبدو أنه ترك مجالا لذلك.